الوحدة والتكامل ودورهما في النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي
الوحدة والتكامل ودورهما في النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي
دراسة موجزة في أبعادها وشروطها
د. فهيمة الساعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة:
قبل ظهور الفترة الإستعمارية، وتكالب الغرب على الشرق ونهب ثرواته، كانت البلاد الإسلامية خصوصاً والشرق عوماً في مقدّمة بلدان العالم برمته على الأصعدة كافة.
وهذه الحقيقة من ضمن الحقائق التاريخية الكبرى التي يدركها كل مؤرّخ أو متتبّع لمجريات الأحداث الدولية منذ العصور الوسطى وحتّى وقتنا الحاضر. ولعلّ الباحث والمؤرّخ الغربي يدركها ويفهمها أكثر من الشرقي والإسلامي.
كتب المؤرّخ هـ. أل. فيشر يقول: لم يكن هنالك في الجزيرة العربية ـ البقعة الشرقية ـ قبل الإسلام أثر لحكومة عربية أو جيش منظم أو لطموح سياسي عام، كان العرب شعراء خياليّين محاربين وتجاراً، لم يكونوا سياسيّين،... إنّهم كانوا على نظام منحطّ من الشرك، ولكن بعد مائة سنة منه انتزعوا افريقيا من البيزنطينيّين والبربر، واسبانيا من الغوط، وهدّدوا فرنسا في الغرب والقسطنطينية في الشرق، ووجدت الدول النصرانية من أقصى اوربا الى أقصاها منذرة مهدّدة بحضارة شرقية مبنية على دين شرقي، ألا وهو دين الإسلام([1]).
ولعلّ تعبيره: «بحضارة شرقية مبنية على دين شرقي» يعطي انطباعاً خاصاً مشوباً بدلالات كثيرة يفهمها المراقبون جيداً.
وأمّا المؤرّخ الاميركي ستودارد فقد اعتمد الصراحة اكثر في قوله على هذا الصعيد، يقول: كاد يكون نبأ نشوء الإسلام الأعجب الذي دوّن في تاريخ الانسان، لقد ظهر الإسلام في أمة كانت قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان وفي بلاد منحطّة الشأن، فلم يمض على ظهوره عشرة عقود حتّى انتشر في نصف الأرض، ممزّقاً مماليك عالية الذرى مترامية الاطراف، وهادماً أدياناً قديمة كرّت عليها الحقب والأجيال، ومغيرّاً ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانياً عالماً حديثاً متراصّ الأركان هو عالم الإسلام([2]).
وكتب الباحث والمؤرّخ المعروف البارون كارل دو حول التاريخ الشرقي ـ الإسلامي وأحداثه، ولم يخف اندهاشه من عطاء الحضارة الإسلامية الشرقية وسخائها، فيقول: إنّ المسلمين اكتسبوا توفيقاً كبيراً في علوم مختلفة، فهم الذين علّموا الناس استعمال الأرقام والأعداد...، وهم الذين نظّموا الجبر والمقابلة على شكل علم صحيح، وتقدّموا به خطوات كبرى، وأسّسوا اساس الهندسة التحليلية، ولا شك انّهم هم مخترعوا المثلّثات السطحية والكروية التي لم يكن لها سابقة في اليونان من قبل، حينما كان العالم المسيحي الغربي في حروب مع البربر كان المسلمون العرب مشتغلون بدراسة العلوم، وكانوا يسعون سعياً حثيثاً للحفاظ على معنوياتهم ودينهم، هذا في الوقت الذي أصدرت فيه هيئة الدومينيكان بأوربا قراراً يحرم فيه على الأعضاء دراسة الفلسفة أو تعاطي الفنون والعلوم! ([3]).
والدولة القوية لابدّ وأن تكون البنية الإقتصادية لها قوية أيضاً، إذ لا يمكن لدولة أن تبرز كقوة في العالم من دون أن تعتمد على هيكل اقتصادي يقوم على أبعاد ثابتة ومتينة في أساسه.
فالدولة الإسلامية آنذاك التي برزت كقوة مهدمة للعالم الغربي من أقصاه الى أقصاه على حدّ تعبير فيشر، ومنتشرة في نصف الأرض على حدّ قول ستودارد، لا يمكن أن تكون إلاّ وقد استندت على ركن اقتصادي يتمتع بصفات متوفرة على أسس قويمة بحيث أمكنها من متابعة انتصاراتها على كافة الجبهات وبنجاح لا نظير له.
ما يهمّنا القول انّ البلدان الاسلامية وحتى ظهور الفترة الإستعمارية التي قام بها الغرب وحلفاؤه كانت في مقدّمة ركاب العالم أجمع باتجاه التطور والرقي والازدهار، ثم بدأت عوامل الضعف تظهر عليها لتجعل اليوم اكثر المناطق تخلّفاً وتقهقهراً وبشكل لافت للنظر.
تُرى ما سبب هذا الضعف والتقهقهر؟؟.
حقاً ما السبب والدين هو هو، إسلامي أصيل؟!.
فهل سببهما جملة المشاكل المنوعة التي تعاني منها البلدان الإسلامية كباقي دول العالم؟.
ذلك لأنّ دول العالم اليوم تعاني من مشاكل كثيرة ومتنوّعة، يمكن تصنيفها بالجملة الى مشاكل متعلّقة بـ:
1 ـ قلّة الموارد الإقتصادية أو ضعف كفاءة استخدامها بالصورة الصحيحة.
2 ـ وجود تفاوت طبقي وتوزيع سيء للعائد الإقتصادي.
3 ـ مخالفة القوانين والاعراف الإجتماعية السائدة وشيوع الجريمة بألوانها المختلفة وأثرها السلبي على الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والعلمية.
4 ـ غياب العدالة السياسية وظهور الطواغيت المتسلّطين على رقاب الشعوب والأمم.
5 ـ وجود الإستعمار البغيض وما يخطّطه لإختراق الامم بهدف احتوائها وامتصاص خيراتها.
وما يعنينا هنا ـ في هذا البحث ـ هو الصعيد الإقتصادي من هذه المسائل «المشاكل».
وقد طرحت وجهات نظر مختلفة في أصل المشاكل الإقتصادية ـ وربما الإجتماعية ـ ومن ثم اختلفت الحلول المقترحة لها:
أ ـ فهناك وجهات نظر ترجع التخلّف الاقتصادي الى قلّة الموارد الإقتصادية([4]).
ب ـ وأخرى ترجعها الى تخّلف المهارات البشرية([5]).
ح ـ وثالثة تعزوه الى عدم التوافق بين قوى وعلاقات الانتاج([6]).
د ـ ورابعة ترجعه الى عدم كفاءة التصوّرات الايديولوجية في تنظيم النشاطات الإقتصادية([7]).
هـ ـ وهناك وجهة نظر في أصل المشكلة تتلخّص بتأكيد غياب القيم العليا والفكر الانساني ومن ثم ظهور مشكلة التناقض بين المصلحتين الخاصة والعامة. فالأفراد لهم مصالح فردية أنانية استحواذية تتقاطع مع المصلحة العامة للمجتمع، فيترتب عن هذا التقاطع العديد من المشكلات في المجتمع.
إيضاح أمرين: وهنا أحبّ أن أسارع الى إيضاح أمرين:
الأول: اننا لن نستطيع التعامل مع هذا الموضوع المعقّد الحسّاس الاّ عبر التعميمات والاتجاهات الرئيسية، ولو أردنا التعامل بالصورة الشاملة فإنه سنحتاج الى مجلّدات موسّعة لدراستها وعرضها وتحليلها لا تسعه هذه الوريقات.
الثاني: انّ كلامنا سيشمل الشرق بمجمله باعتبار أن الحضارة الإسلامية ـ كما عُرفت ـ قد نمت وترعرت في الشرق الذي أخذت منه سماته وبالمقابل أعطته روحها وسماتها.
السؤال ـ اللغز:
ثم انّ لبعض دول العالم قد يتفّق لها حصول احدى تلك الاسباب التي كانت الاساس في التدهور الإقتصادي الذي ألمّ بها ودفعها باتجاه الخلف، وحينما شخصت العلّة الأساسية التي هي بمثابة العقبة الكبرى أمام تطورها وحركة نموّها الاقتصادي، انطلقت بوضع الحلول المقترحة وشرعت بتطبيقها وفق منظومة أسّستها في هذا الإتجاه لتستمر في طريق التنمية، وبالتالي لتحتلّ مركزاً مرموقاً في النظام الإقتصادي ـ الصناعي الدولي.
وهو ما انتهجته بعض الدول الأوروبية كايطاليا والمانيا وفرنسا، والآسيوية كاليابان والكوريتين الجنوبية والشمالية.
أمّا بالنسبة للبلدان الإسلامية فالأمر مختلف تماماً، حيث الموارد الإقتصادية الهائلة، ووجود العامل الديموغرافي (البشري) والموقع الإستراتيجي، والثروة الهائلة التي يمكنها تغطية مراحل التنمية وحضور القيم العليا والفكر الإنساني اللذين يفيض بهما الدين الإسلامي الحنيف، وعدم غياب الكوادر المتخصصة والمؤهّلة للقيام بوظيفتها ومسؤوليتها بأحسن وجه و... و... الخ.
ومع ذلك فالمسيرة التنموية الإسلامية متعثرة، يصيبها الشلل تارة والحركة باتجاه الخلف تارة أخرى، والعقبات والمطبات في زيادة مستطردة. ورغم الجهود والأموال المبذولة في هذا المضمار مازال الكثير من الدول الإسلامية يعاني من تخلّف في واقعها الإقتصادي بكل حقوله، وعلى الإمتداد واقعها الإجتماعي والسياسي، وبطء شديد في حركتها التنموية نحو الأمام.
السؤال هنا: تُرى ما السبب اذن في تخلّفها وتعثّرها؟!
عاملان رئيسيان:
وهذا البحث يركّز على وجود عاملين بارزين يمكن اعتبارهما السبب الرئيسي لكلّ هذا التخلّف والتعثّر في المسيرة التمنوية للبلدان الإسلامية، ويؤكد في الوقت نفسه أن زوالهما يعني زوال عرقلة النمو الاقتصادي، وترك مواقع «الخلف» والهرولة بشدة باتجاه الأمام.
ويجدر ذكره انّ هذا البحث سيركز على بعض الإتجاهات الجغرافية ـ السياسية (الجيوبوليتيكية) كشواهد واضحة لا تقبل النكران، ولا يدرس الحالة الإقتصادية تفصيلاً الاّ عبر عدد محدود جداً من الامثلة. فهكذا امور إن اريد تغطيتها ستحتاج الى دراسة بل دراسات موسّعة لا يتسع لها مجال هذه الصفحات القليلة.
والعاملان الرئيسيان هما:
1 ـ حالة التمزّق والتفكك التي تعيشها البلدان الإسلامية. فقد شهدت الدول الإسلامية ـ وما زالت تشهد ـ اكثر الحالات تمزقاً في العالم، وفي الوقت الذي شهدت أو تشهد فيه المناطق الأخرى حالات اندماج ووحدة وتكامل، نجد أنّ عملية التفكّك كانت هي احدى سمات تدهور الأوضاع في البلاد الإسلامية.
فقد مزّقت الكيانات والجغرافيات الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين الميلادي، ومازالت عمليات تفكيك مستمرة، إذ فقدت الدولة العثمانية جزءاً عظيماً من أراضيها، وانقسم الكيان الواحد الى كيانات، بل مازالت تركيا تعيش ضياعاً في هويتها، ومازالت بناها ومقومات الأفكار التي تسيّر عدداً كبيراً من تياراتها تضغط بشدة لدفع الدولة باتجاه التفكيك والتنازع لتفرض سلسلة من الصراعات بين وطنيتها وإسلامها وجغرافيتها وتاريخها الشرقي ـ الإسلامي من جهة، والطموحات الغربية والعلمانية من جهة اخرى.
كما وزرعت «اسرائيل» وهو الكيان اللقيط في قلب العالمين الإسلامي والعربي بالقوة والقسر وفي ظلّ الحماية الغربية جهراً وعلناً.
وتمزّق العالم العربي الى مجموعة من الدول والكيانات والدويلات، بل انتقل قانون التفكك والتمزّق الى داخل البلد الواحد: فالبوليساريو والمغرب، والبربر والجزائر، والأقباط ومصر، والسودان وجنوبه، والصومال وحربه الأهلية، وبلاد الشام والحرب اللبنانية، والعراق ومحاولات «تفكيكه» الذي تقوم بها بعض الجهات الغربية على حساب الشعب المظلوم والمغلوب على أمره في ظلّ السلطة الحاكمة صاحبة المبادرات الخارقة: الحرب الضروس على الجمهورية الإسلامية، الإحتلال الغاشم لدولة الكويت، بكل ما تحمله هذه المبادرات من آثار سلبية تنعكس على الحالة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للبلدان المجاورة فضلاً على العراق نفسه.
ثم الخلافات بين ارتيريا واليمن، واليمن والسعودية، والامارات وايران، وقطر والبحرين، والكويت والسعودية، والعراق والكويت.... وقس على ذلك.
والأمر نفسه يدور في القارة الهندية، فبعد أن كانت الهند ومناطق وسط وشرق آسيا مراكز عظيمة لمختلف الدوائر الإسلامية فانّها تعيش حالة التمزّق باطراد خطير.
فقد فككت وحدة المسلمين الهنود فاستقلّت اعداد كبيرة منهم في باكستان في نهاية الاربعينات من القرن العشرين الماضي، ثم انقسم الجناح الشرقي منها ليتم تأسيس دولة بنغلادش، وبقيت «كشمير» تحت النفوذ الهندي لنتائج فيها نقطة توتر ساخنة تهدّد بانفجار حرب واسعة ومدمرة بين الهند وباكستان في أية لحظة، مع كل الآثار السلبية التي ستحملها على العلاقات التاريخية بين الهندوس والمسلمين الذين مازال حتّى اليوم عشرات الملايين منهم يعيشون مع مواطنيهم الهندوس في دولة الهند نفسها.
ثم هذه افغانستان التي تعيش الحرب الأهلية المدمّرة، بما حملته من هموم عظيمة جرّت، أحزانها على الشعب الافغاني المسلم، ولعلّ اعظمها أثراً عليه تأسيس حركة الطالبان السيئت الصيت التي فعلت ما فعلت بالوجود الإسلامي ككل في هذه المنطقة من العالم الإسلامي، وما هدّمت وقتلت وأحرقت يفوق ما فعلته القوات السوفيتية الكافرة في هذا البلد.
واندونيسيا هي الأخرى تشهد عملية «فصل» بالقوة مقاطعة تيمور عن أراضيها، وما جلبته هذه العملية من عدم الإستقرار وانقسام اجتماعي داخل المجتمع الاندونيسي، اضافة الى ما خلّفته ـ وتخلّفه ـ من فساد اداري وبغضاء بين افراد هذا الشعب المسلم.
والأمر نفسه يدور في باقي المناطق الآسيوية الإسلامية الاخرى كما في ماليزيا التي تشهد خلافات حادّة واجواء متوترة على كافة الأصعدة.
وأمّا الجمهوريات المسلمة المتحرّرة من الاتحاد السوفيتي المنحلّ فليس حظّها أفضل من البقية، فما أن استعادت عافيتها وحيويتها الداخلية، ومحاولة تقابلها الايجابي مع محيطها بعد أن نفضت التراب المتراكم عليها اثر عهود الشيوعية البغيضة، حتّى غزتها التيارات التي من شأنها إثارة الفتن والانقلابات ترافقها رؤوس الأموال الاميركية والغربية الأوروبية والدوائر الاسرائيلية التابعة لها لتفرقها في الخلافات وسلسلة الحروب، كما هو حال الشيشان، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا، اضافة الى الخلافات الداخلية المستمرة داخل الجمهوريات الاخرى.
والصورة نفسها تتكرّر في مناطق المسلمين في أفريقيا أيضاً، حيث تمزقها الخلافات والفتن والصراعات بين الدول الإسلامية، وتعيش حالة الفوضى وعدم الاستقرار ليعود الضرر عليها وعلى شعوب المنطقة المحرومة فتزداد حرماناً وبؤساً.
فلم تنس الذاكرة ـ ذاكرة الشعوب ـ الصراع الذي حصل بين تشاد وليبيا، وما خلّفته من توتر على الحدود حتى خيف انتقالها الى باقي المناطق الساخنة. وكذا الأمر بين السودان وارتيريا، وبين الأخيرة وكل من اثيوبيا واليمن. وكذلك الحال داخل نيجيريا ومالي والسنغال وسيراليون وغيرها من البلدان الإسلامية التي اغرقت بشتّى الوان التناحر والإقتتال الطويل الأمد.
سؤالان:
سؤالان يطرحان أنفسهما بإلحاح هنا: تُرى لماذا استطاعت المناطق الإسلامية تاريخياً ان تؤسس بالإسلام دوائر متكاملة تعتبر الأرقى حضارياً رغم تعدد القوميات والأديان، بينما يصوّر الإسلام وكأنّه عامل التوتر والعرقلة اليوم؟.
ثم ولماذا لا يشمل القانون العالمي الذي يظهر في كل مكان لقيام التكتلات الكبرى واتّحاد المتشابهات لتقارب وتكامل المناطق الإسلامية، بينما على العكس نجد بلاد ومناطق المسلمين يسودها الإنقسام والتوتر، ليس مع أعدائهم التاريخيين فحسب بل مع جيرانهم واخوانهم في الدين ونظرائهم في الخلق على حدّ سواء؟ لماذا تطوّق كل المشاكل الاخرى في العالم الآخر فتجد الفرقاء يتسابقون لحلّ المسألة الايرلندية، أو أن يكون انقسام الشيك والسلاف سلمياً فيفقدوا دائرة وحدة صغيرة وهي تشيكوسلوفاكيا ليدخلوا دائرة وحدة اكبر وهي أوروبا، بينما لا تجد مثل هذه المساعي لإيجاد الحلول في البلاد الإسلامية الاّ عبر زرع عوامل الفتنة وتأجيج الصراعات بدل حلّها؟؟.
2 ـ والعامل الثاني الذي يمكن اعتباره السبب الرئيسي لتعثّر المسيرة التنموية للبلاد الإسلامية هو: تدنّي المستوى الثقافي عند المسلمين. فالعالم الإسلامي يشهد اكثر حالات التخلّف والفقر التي لا تنسجم لا مع التعاليم الإسلامية، ولا مع تجربة وتاريخ الإسلام في المنطقة.
فاذا تكلّمنا بمعايير أخرى لتعريف التخلّف كالأمّية والتنظيم العلمي والاداري والصحي ومدى الإستقلال في تحكيم القوة والخبرات المحلية في عمليات توفير الحاجيات الاساسية محلياً وتطوير الاسواق ومرونة الانتاج، فاننا نستطيع القول بأن العالم الإسلامي يعتبر بمجمله مناطق تخلّف وتأخرّ كبيرين عن ركاب العالم الغربي.
ويعزو المراقبون السبب الرئيسي والبارز لهذا التخلّف والتأخّر الى تدنّي المستوى الثقافي عند الفرد المسلم بشكل كبير.
فهذه بعض الارقام عن معدلات الحياة ووفيات الأطفال كما وردت في تقارير الأمم المتحدة لعام 1998م: ([8]).
معدل التكاثرمعدل الخصوبةوفيات الاطفالمعدل الحياة
افريقيا6/231/586523/553
آسيا/165/25624،64/7،67
اوربا صفر45/1123،68/77
العالم4/179/212/574،68/7،67
أمّا معدلات الفقر وانخفاض المداخيل فانّ البلدان الآسيوية والافريقية هي عموماً الاكثر انخفاضاً في العالم، وباستثناء بعض الحالات فانّ عيّنة الارقام التالية تشير الى انّ فارق الدخول تقل احياناً (30) مرّة في بعض الدول الإسلامية مقارنة بالدول الاوروبية.
نصيب الفرد في الناتج الوطني الاجمالي لبعض الدول بالدولار لعام 1996م([9]).
دولار للفرد حسب القدرة الشرائيةدولار للفرد سنوياً حسب معدل الصرف السودان1110ـ
العراق3170 ـ
اليمن 790 390
بنغلادش1010260
باكستان1600 480
مصر2860 1080
الهند 380 1580
الولايات المتحدة280228020
بريطانى19600 19600
الارجنتين83809530
روسيا4190 2410
بالمقابل ارتفعت مديونية العالم الثالث من (68) مليار دولار عام 1970م الى (2171) مليار دولار عام 1997م.
ومن هنا يمكن القول بصراحة الى تخلّف البلدان الإسلامية عن البلدان الأوروبية بأشواط كبيرة وفي كافة المجالات، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي الذي يتطلب ايجاد الحلول المناسبة والإقتراحات السديدة لدفعها باتجاه التنمية الصحيحة واللحاق بركاب البلدان الغربية المتقدم.
نهضة جديدة ـ ظروف تاريخية جديدة:
ورغم كل ذلك فانّ حالة المشروع الغربي مع كل ما بذله من مساعي لتجديده، والقدرات الهائلة التي يمتلكها، يقف أمام أزمات حقيقية لم يعد بالإمكان تجاوزها. اذ بدأت عوامل القوة القديمة لديه بتوليد عوامل ضعف جديدة، وبدأت الشعوب ـ خصوصاً الإسلامية ـ في الشرق تستعيد تدريجياً ثقتها بنفسها وبعوامل قوتها وتفوقها، لما تمتلكه من مخزون حضاري ـ مادي ومعنوي ـ قد عطّلته عمليات التفكيك التي مارسها الإستعمار الغربي طوال الفترة المنصرمة.
إنّ الشرق عموماً ورغم كل المفارقات التي يقود اليها الكلام، يقف اليوم على أبواب تجديد دورته الحضارية والخروج من كبوته، حيث انّ مظاهر التمزّق والتخلّف تخفي وراءها عوامل نهضة جديدة بدأت بالثورة الإسلامية المباركة في ايران، وبالصحوة الإسلامية التي شملت أرجاء الأمة كلهات، والتي لابد من أن تستغل الشروط التاريخية التي بدأت بالظهور لتصحّح المسارات التي حرّفتها عهود الهيمنة الإستعمارية.
والعملية اذا ما بدأت فعلاً فانّها ستسير بسرعة مضطردة باتجاه الأمام، لأنّ الأوضاع في البلاد الإسلامية وفي الشرق عموماً ـ كما يراها ايّ متتبعّ ـ تشبه على المدى الطويل الأوضاع التي سادت في أوربا بعد التدمير الذي اصابها عقب الحرب الكونية الثانية.
وأوربا لم تبدأ عملية عمرانها من الصفر، بل بدأت باطلاق الطاقات التي عطلّتها أو دمّرتها الحرب، ثم استمرت في عملية الضخّ بكل ما تبقّى لديها من قدرات وخبرات وكوادر قليلة حتّى استطاعت من تهيئة المناخ الملائم لإدامة تطورها الاقتصادي الذي كان أشبه شيء بالميّت.
إننا ندخل عصر النهضة، وانّ الكثير من الصور السلبية والنواقص والتشوّهات ونقاط الضعف التي تعيشها الامة الإسلامية لا يمكنها أن تخفي هذه الحقيقة الناصعة التي بدأت تطفو فوق الماء.
أمّا كيف؟؟ فالجواب تجده في هذه الاشارات السريعة التي يسمح بها هذا المقال.
الوحدة والتكامل وليس التجزئة والتصارع هو القانون المطلوب في المنطقة:
لقد غزا الإستعمار الغربي الشرق برمّته مستهدفاً الامة الإسلامية بالخصوص بعد أن تزوّد بقوى وتنظيمات وقدرات جديدة، ومستغلاً نقاط الضعف التي حلّت بالأمة، فوضع كل امكانياته في سبيل الوصول الى هدفه.
ولمّا وجد الأمة الإسلامية وحدة متكاملة، لا يمكن احتوائها بسهولة عمل جهده باتباع سياسة التمزيق والتجزئة ليسهل «هضمها». واذا ما أبدت هذه «الأجزاء» ردود فعل فانّها ستكون بلا شك على مستوى ضعيف، بحيث يمكنه احتوائها بدرجة عالية.
أما لماذا كانت الأمة الإسلامية من اكثر الأمم الشرقية التي استهدفها المشروع الغربي الإستعماري، واعتنى بشؤونها بهذا المقدار، اضافة الى ما بذله من جهود مضنية وأموال طائلة في هذا السبيل؟
والجواب: انّه استهدفها واهتمّ بها بهذا المقدار الكبير لعوامل تتعلّق بالتوازن العالمي!
كيف؟؟
ذلك لانّ الإستعمار ومن ورائه من خبراء استراتيجيين يدركون جيداً أنّ تغييب الإسلام هو شرط عالمي ومهم لإحكام السيطرة على الشرق كلّه، وبسط النفوذ في «المواقع» الإقتصادية والسياسية المهمة في الشرق، بينما الأمر ليس بهذه الضرورة بالنسبة الى الثقافات والحضارات الشرقية الأخرى.
وقد درس عدد كبير من الباحثين الأوربيّين هذه الحقيقة، ووجدوا انّه كلّما كانت المنطقة الإسلامية صاعدة ومناخها تعمه الصحوة والانتعاش، كان الغرب وأوربا بالخصوص في أوضاع حضارية هابطة ومتدهورة الى حدّما.
وقد اشار «موريس لومبارد» في كتابه الشهير «الإسلام في عصره الذهبي» الى هذه الحقيقة، وشرح أبعادها في فصول متعددة.
ومن قبله أدركها نابليون فأشار اليها صراحة حينما صوّب رأي الكونت دي فونتي وتأمّلاته حول الحملة الفرنسية على مصر وسوريا المدوّنة في كتابه «رحلة الى مصر وسوريا» والمنشور في مجلّدين عام 1798م الذي أشار الى هذه الحقيقة أيضاً، فأملاها فيما بعد نابليون على الجنرال برتران في جزيرة القدّيسة هيلانة فقال: انّ فونتي رأى أن ثمة ثلاثة حواجز في وجه السيطرة الفرنسية في الشرق، الأولى: انكلترا المنافسة، والثانية: الباب العالي العثماني، والثالث وهي اكثرها صعوبة: المسلمون وقرآنهم([10]).
تُرى ما العلاقة بين ذينك المنطقتين لكي تكون بهذه الأهمية؟؟
قد يرى البعض أن سبب ذلك هو أن المنطقة الإسلامية قد شكلت تاريخياً الممر الاستراتيجي الى آسيا وافريقيا، فإذا لم تخضع هذه المنطقة للغرب، وتسود فيه عوامل الضعف والإنهيار فانّ المشروع الإستعماري القائم على تقديم مصالح الغرب على حساب مصالح الآخرين سيفقد مرتكزات استمراريته وديمومته، وبالتالي تنعدم مصالحه في المنطقة.
كتب «ليبنتز» رسالة ووجّهها الى لويس الرابع عشر ملك فرنسا في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي وهو يلفت نظره نحو غزوه مصر بدلاً من هولندا، لأن مصر حسب قوله: ما هي الاّ هولندا الشرق! وفي حال أصبحت فرنسا سيدة هذه البلاد ستسيطر على البحر الابيض المتوسط، وستستولي على طريق الهند الشرقية، فتأمن بذلك الممر التجاري العالمي لشركاتها ومراكزها التجارية، وبعبارة أدقّ: ستسيطر على تجارة العالم([11]).
وقد ظلّ هذا المشروع قيد التداول في أوساط السياسيّين الفرنسيّين وكبار التجّار منهم فترة طويلة الى أن خرج الى النور قبيل الثورة الفرنسية عام 1789م، وكان للمستشرقين سفاري وفولني دور كبير في تبيان منافع هذا المشروع لمصالح فرنسا السياسية والتجارية.
فقد كتب فولني بهذا الصدد بحثاً متكاملاً يعتبر ثمرة دراساته لموقع مصر وثروتها الطبيعية الهائلة، يقول: انّ مصر تساوي في اتّساعها خمس فرنسا، وفي غنى أرضها تكاد تضاهيها، كما أنّ بمقدورها أن تسدّ حاجات أوربا وآسيا من المحاصيل كالقمح والأرز والقطن ونسيج الكتّان و... ثم بامتلاكنا لها تصبح هذه المنافع اضافات لا تقلّ اهمية عن غيرها، بواسطة مصر نصل الى الهند ونحوّل بالتالي كل التجارة نحو البحر الاحمر، ونعيد الحياة للمرور القديم عن طريق السويس، وتتخلّى عن طريق الرجاء الصالح، وبواسطة قوافل اثيوبيا سنجذب الينا كل ثروات افريقيا الداخلية، ثم بتسهيلنا الحجّ الى مكة سنتمتّع بكل تجارة البربر حتى السنغال، وستصبح فرنسا مرفأ للتصدير لأوربا والعالم!! ([12]).
وقد يرى آخرون أنّ القيم الإسلامية وما تزرعه من ثقافات تقف بالضد من النزعات الإستعمارية ومآرب الغربيّين السياسية والإقتصادية، وأنّ هذه القيم تمنح اتباعها روح المواجهة والتصدّي لكل مراحل المشروع الغربي، خصوصاً وأنّ المنطقة الإسلامية تتمتع بسعة مساحة وكثرة شعوب ممّا سينفي عنصر العالمية عن المشروع الإستعماري.
وهذه القيم بالضبط هي التي دفعت المندوب الفرنسي في الجزائر آنذاك الى تهديد الشيخ عبدالحميد الجزائري باغلاق المسجد برمّته اذا لم ينقطع عن التدريس ويغلق حلقة درسه الشريف، فأجابه الشيخ بكل صلابة: لا تستطيع، وحينما بدت علامات الاستغراب على وجه المندوب من جوابه أضاف: إنّ انقطاع الدرس لا ينفعكم شيئاً: لأنني اذا كنت في حفل عرس علّمت المحتفلين، واذا كنت في مأتم وعظت المعزّين، وإن جلست في قطار علّمت المسافرين، وإن دخلت السجن أنرت المسجونين هذا هو ديني يأمرني بالتبليغ، فالخير لكم أن لا تتعرّضوا للأمة في دينها ولغتها([13]).
ويرى آخرون غيرهم انّ الإسلام باعتباره خاتم الرسالات قد يزعزع الروح الدينية التي حملها المشروع الغربي والذي قام على تفسير خاص للنصرانية، فأطلق صليبية تزاوجت مع اليهودية الصهيونية، وهذا التحالف لا يمكن أن يسود في أيّ جزء من العالم إلاّ بالقضاء على الإسلام.
لذا يقول دي ميستيل وكيل إدارة البعثات التبشيرية في الشرق بروما: انّ الهدف الذي يتعيّن على المبشّر تحقيقه هو تحطيم قوة التماسك الجبارة التي يتميّز بها الإسلام أو على الأقل إضعاف هذه القوة كحدّ أقلّ([14]).
وفي هذا الصدد خطب الأب ماراتشي يوماً في حشد من هؤلاء ايضاً فأشار قائلاً: من الضروري اذن ان لا نحارب الإسلام دون أن نعرفه تماماً ليسهل القضاء عليه، وفرصة هذا الصراع تتزايد يوماً بعد يوم بسبب العلاقات المتزايدة بين الأوربيين المسيحيين ومسلمي تركيا وافريقيا وفارس والهند حيث نرى للأسف الكثير من المسيحيين يلطخون المسيحية بالعار([15]).
ومهما تكن التفسيرات فانّنا نقف أمام حقيقة رئيسية وهي: انّ قانون المنطقة الإسلامية تاريخياً كان دائماً قانون الوحدة والتكامل والتوليف رغم كلّ حالات الخلاف والتباين الثقافي والقومي والسياسي. فقانون الوحدة والتكامل كان تاريخياً أقوى من قانون التجزئة والتناحر اللذين رعاهما المشروع الغربي بعناية، ولم تكتسب الشكل الذي عليه المنطقة اليوم الاّ مع سيادة الهيمنة الإستعمارية على شؤونها المختلفة.
ذلك لأنّ البنى التحتية الأساسية للمنطقة كانت تجمعها من المشتركات الثقافية والإقتصادية والإجتماعية أكثر بكثير من عناصر التضادّ والنفرة، وانّ تعدّد اللغات والقوميات لم تحول دون حصول الوحدة والتكامل، ولم تقف عقبة مانعة أمام محاولات التقارب الثقافي والاقتصادي بين بلدان المنطقة، كما هو الحال في اوربا حيث لم تمنعها تعدّد اللغات والقوميات اليوم من بناء أطرها وسياساتها الوحدوية.
والوحدة التي نتكلّم عنها هي ليست الوحدة الشكلية، بل الوحدة في الأسس العامة والثقافات والمصالح المشتركة التي تولد ممارسات الإتصال والإعتماد المتبادل والتكامل والإنفتاح.
وممّا يعزّز هذا المنطق اكثر هو شهود منطقة الشرق عموماً ولادة كل الديانات التوحيدية التي عرفها العالم والتاريخ، وكذلك الأمر بالنسبة للديانات غير السماوية التي حملت أيضاً عناصر توليف ووحدة وتكامل، كما هو الحال في التاو والكونفوسية في الصين، والبوذية في الهند، والزرادشتية في ايران القديمة، وغيرها.
فقد استطاعت المنطقة افراز شتّى المفاهيم التوليفية التي سمحت بالتعايش وقبول الآخر، فلم تتحول النزاعات العرقية أو العنصرية أو القومية أو الطبقية أو حتّى الدينية الى مفاهيم مطلقة تجري بين الناس على أنها قوانين طبيعية لا نقاش فيها، بل طوّقت هذه النزاعات بالمفاهيم الفلسفية والقيم والأخلاق الدينية التي هي سمة من سمات الحياة الشرقية، والمشاكل التي كانت تحصل هنا وهناك في هذا الصعيد كانت سرعان ما تجد لنفسها سقفاً تقف عنده، ولم تندفع بتهور لتصل الى مرحلة التطرّف ليتمثل بأعمال تطهير أو تصفية مثلاً، كالذي حصل في الأميركيتين والقارات الجديدة التي وصلها الجنس الابيض من تصفية سكّانها الأصليّين، أو ما حصل في أوربا من عمليات «تطهير» واسعة النطاق التي شملت كل انصار الأديان و الـمذاهب الاخرى، بـل واتـباع الـدين نفسه مـن المـخالفين لسياسة الأحـبار أو أصـحاب القـرارات العـليا تبعاً
لما تقرره توازنات القوى العالمية التي تختلف من عصر الى عصر.
وأمّا الإسلام فقد جعل حماية المخالفين له من اتباع الديانات والمذاهب الاخرى أمراً لا تقرّره توازنات القوى، ولا تدخل فيه أيادي أصحاب القرارات العليا، بل الأمر بكل حيثياته وتفصيلاته يقرّره الشرع المقدس نفسه بجعلهم في ذمّة المسلمين تحت شرائط ثابتة وواضحة.
وهذه الحقيقة تسجّل كفضيلة سامية للفكر الإسلامي خصوصاً والشرق عموماً وإن أصبحت سبب ابتلاء المسلمين وغيرهم من سكّان المنطقة، اذ بعد أن حطّم الغرب المرتكزات التوليفية والتوحيدية التي كانت تقوم عليها الجماعات المختلفة، صار بالإمكان زرع الفتن والإنقسام عبرها بسبب السكّان أنفسهم.
الوحدة والتكامل وتطوّر التجارة والأسواق:
من الحقائق المتداولة بين الاقتصاديين حقيقة مفادها: انّه لا يمكن تصور تطور تجارة في مناطق شديدة التنازع والانقسام وتكثر فيها الحواجز والموانع المختلفة، فإذا كانت التجارة كما هو ثابت عند الجميع متطورة في المحيط المتوسطي وآسيا فانّ ذلك يعني أنّ عوامل الوحدة والتكامل كانت متطورة أيضاً.
وعليه فانّ الشرق لو تُرك لحاله، ولم تتدخل فيه الأيادي الغربية لتحركت فيه دوافع الوحدة الى الأمام، ولتراجعت عوامل النفرة والإنقسام الى الوراء.
أمّا كيف استطاعت تلك الأيادي أن تقضي على دورة التجارة المتكاملة في الشرق، والتي سمحت له بالسيطرة على العالم كله فيما بعد؟ فنقول: ان إسواق الشرق بقيت منذ فجر التاريخ والى القرنين الأخيرين للميلاد هي أعظم وأشهر اسواق العالم.
فمن قبل كانت مدينة «حلب» هي طريق تجارة الشرق الى الغرب وبالعكس، وكانت ملتقى الطريق بين آسيا والشام في الجزيرة والعراق... وقد ظلّت محتفظة بهذا المركز التجاري المهم الى قبيل اكتشاف طريق الرجاء الصالح وقبل افتتاح قناة السويس.
ومن بعد «حلب» كانت مصر التي باتت حلماً يراود لويس الرابع عشر بعد أن لفت نظره الفيلسوف «ليبتنز» نحو غزوها، وبالاستيلاء عليها لتضمن فرنسا السيطرة الكاملة على حوض البحر المتوسط والطريق التجاري للهند الشرقية، وتأمن الممر التجاري العالمي لشركاتها ومراكزها التجارية المنتشرة في أنحاء العالم كما تقدم.
فهناك إذن تجارة متنوعة ونشطة تسلك طريق البرّ ما يسمّى بطريق الحرير والشاي والتوابل، وطرق البحر بحيث يبدو حوض البحر المتوسط ومضيق الدردنيل والبحر الأسود وقزوين والأحمر والخليج الفارسي والمحيط الهندي كبحار وممرات بحرية داخلية تتماس اطرافها وسواحلها في منطقة تتكامل دوائرها في صورة معتمدة متبادلة لتربط في النهاية بين ثلاث قارات: أوربا وأفريقيا وأعماق آسيا.
وتحت تأثير هذه الإمتيازات التي تمتلكها المنطقة سال لعاب الغرب تجاهها، فأضحى تواقاً لأن يدمر الطريق البرّي القصير الذي يربط بين موانئه على البحر المتوسط وخصوصاً في «فينيسيا» و«جنوا» وصولاً الى مصادر الثروة المتكدسة خصوصاً في الهند والصين.
وقد جربّ كولمبس حظّه في الاتجاه غرباً فأصاب عام 1492م القارة الاميركية معتقداً انه طريق سواحل الهند. فلم يتسنّ آنذاك اكتشاف الطريق البحري الموصل الى الهند إلاّ في نهايات القرن الخامس عشر، وبالتحديد عام 1489م عندما استطاع «فاسكو دي غاما» أن يمرّ عبر رأس الرجاء الصالح ليتعرّف على عابر البحار العربي المسلم أحمد بن ماجد ويتعلم منه اهم الطرق والتيارات التي كان المسلمون يعرفونها منذ قرون طويلة فيأخذها منه([16]).
انّ عمليات تحطيم أقصر الطرق للوصول الى بلاد المسلمين والشرق وآسيا على الخصوص انّما كان سببها النزعات الإستعمارية التي أرادت ان تستقلّ بنفسها فتحتكر العالم لقدراتها ونفوذها التوسّعي، ولم يكن سببها هو مضايقة العثمانيين للتجّار الاوروبيّين وفرضهم المزيد من الضرائب عليهم فدفعهم الى حماية حركتهم التجارية منها كما يدّعون.
ومما يعزّز هذا الكلام انّ هذه النزعة قد تجسّدت الى حملات عدوانية واسعة قد حددت مسار العالم والتاريخ فيما بعد. فالحروب الصليبية التي اشتعل لهيبها في نهايات القرن الثاني عشر الميلادي كانت تستهدف أساساً كسر شوكة المسلمين، لكنها ـ في الوقت نفسه ـ كشفت عن نهضة القانون الإستعماري الذي بدأ يتشكل في رحم خط التطور الأوربي.
إذ بجانب محاصرة المسلمين في عقر دارهم، جرت أيضاً اعمال «تطهير» القارة الاوربية نفسها. فقد قاموا بطرد المسلمين من الأندلس وجنوب فرنسا وايطاليا، وكذلك من أوربا الشرقية، وتصفية الفرق المسيحية الشرقية واليهودية وكل المعتقدات الاخرى، كما تشير الى ذلك محاكم التفتيش السيّئة الصيت، وإحراق الكتب، وحملات ملاحقة وحرق ما يسمّى بالسحرة وأصحاب البدع وغيرهم.
وهذا المسار اكّده البابا الكسندر السادس نفسه عام 1494م عندما قام بتقسيم العالم بين اسبانيا والبرتغال في حملاتهم الإستعمارية التوسيعة التي لم تتوقّف حتّى ورثتها عنهم بقية الدول الاوربية في مطلع القرن العشرين كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وهولندا والمانيا وروسيا وبلجيكا، فكانت تسيطر هذه الدول على 79% من مساحة العالم الذي يخضع له 82% من سكّانه. هذا دون ذكر المستعمرات البرتغالية والإسبانية والإيطالية([17]).
اختراقات جديدة:
وجاء النصر الحاسم لاوربا لاختراق الخارطة الإسلامية في معركة «لامبانت» في 7 تشرين الأول/اكتوبر من عام 1571م حيث كانت الخسائر العثمانية عظيمة لدرجة أنهت تفوّقها بعد أن فقد اسطولها البحري 117 سفينة و450 مدفعاً، وسقط اكثر من 000ر30 قتيل([18]).
ثم تلاحقت الاختراقات للأرض والنفوس لتمزق الوحدة الطبيعية التي كانت قائمة بقوانينها، وتعتبر شركة الهند الشرقية البريطانية في القرن الثامن عشر التسجيل النهائي لانفكاك آخر حلقة من حلقات التكامل التاريخي الذي قامت عليه المنطقة، والذي سمح للشرق أن يتطوّر وينتج أرقى أنواع السلع لتحلّ بالتدريج السلع الغربية الرخيصة محلّه.
إذ استطاعت هذه الشركة التي تمثل المصالح البريطانية في الشرق أن تسيطر على اكثر من 75% من التجارة مع الصين لتسيطر على النسبة الباقية روسيا وفرنسا وغيرها من الدول المستعمرة.
وجدير ذكره أنّ تقدم السلع الغربية على السلع الشرقية ليس بسبب الجودة كما يحلو للبعض إسناده، بل السبب هو تصدير المدفع والسيف ووسائل التدمير، يعقبه توفير عوامل الإحتكار وتقسيم الأسواق للتحكم بها، وتدمير المشاغل المحلية، وانتاج الخط الانتاجي العام فحلّ بالتدريج النسيج الانكليزي محلّ الانسجة الحريرية الراقية، وما يسمّى بالموسلين اليوم ماهو سوى النسيج الموصلي المعروف([19]).
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعدّى الى تدمير صناعات السجاد والورق التي مازال الوصول الى نوعياتهما القديمة حلم الصناعات الحديثة قاطبة([20]).
كما تمت السيطرة على كل تجارة الشاي الهندية ـ السيلانية، والقهوة اليمنية، وكل أشكال العطور والتوابل المختلفة. كما دمّرت صناعات النقل كالسفن والعربات، وصناعات المري الزجاجية والفخاريات والأواني المعدنية والبرسلونات والمقصّات والخناجر العمانية والسيوف الدمشقية، وأعمال الصياغة والأثاث والجلود التي تتبارى المتاحف اليوم بعرضها لجمالها وجودتها وقدرتها على مقاومة عوارض الزمن.
وامتدّ الأمر كذلك الى الانتاج الزراعي، فدمّرت البذور ذات النوعيات الراقية من خلال سرقتها واحتكارها في بلدان غربية لغرض زراعتها هناك، ولعلّ ايطاليا التي تقدّمت على غيرها من الدول الأوربية بصناعة المعجنات كانت إحدى الدول التي مافتأت على استيراد الطحين الحوراني ذي النوعية العالية لتحسين نوعية الطحين الإيطالي الرديء واستخدامه في صناعة المعجنات التي تشتهر بها([21]).
ثم إن الغرب لم يدمر تجارة المنطقة فحسب، بل حطم القاعدة الإنتاجية للبلاد بتقطيع شرايينها والانقضاض عليها في كل موقف جرت فيه، بحيث ازدادت عوامل التبعية والاعتماد بشكل رئيسي على المنتجات الغربية. بل تفاقم الحال الى درجة لا نستطيع عيشاً بدونها، وفقدنا بالتدريج الخبرات الفنية والتقنية اللازمة التي كانت ستسمح لنا ـ لو تركت الأمور تجري لطبيعتها ـ بتطور صناعاتنا وطرق انتاجها وسبل تسويقها، ومواكبة التطورات الإقتصادية والإجتماعية الحاصلة في العالم.
ولذا فيمكن القول بصراحة انّ الغرب ومشروعه الكبير لم يأت الى المنطقة كمنافس تجاري، ولاطرف في عمليات البيع والشراء الواسعة التي حصلت وتحصل في أطراف المنطقة، بل جاء غازياً من خلال إختراقه كل وسائل الدفاع والموانع لغرض هيمنته، وسيادة نفوذه من خلال تدمير الأسس والثوابت التي كانت تعتمدها بلدان المنطقة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
وخلاصة الكلام: انّ الشرق كان يعيش قانون الوحدة والتكامل كأساس ومنطلق، ولهذا القانون مقومات طبيعية تسندها جملة مشتركات وعوامل مساعدة ثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية مختلفة تدفعه باتجاه الأمام دائماً، ذلك لو تُرك الشرق لحاله الطبيعي الذي فطره الله تعالى عليه، وأنّ قانون التفتيت والتجزئة هو القانون المفروض بالقوة. ولذلك فالأمر الطبيعي هو أنّه كلّما ضعفت قبضة الغرب على بلداننا كلّما تحرك قانون الوحدة والتكامل نحو الوجود فيأخذ مدياته الطبيعية، وتتحرك من داخله شتّى الديناميات ومظاهر الحيوية التي تزيل الكثير من التشاؤم الذي أصاب العديد من الباحثين والمفكرّين. وكذا العكس، كلّما اشتدت القبضة تحرّك قانون التجزئة والتفتت باتجاه الوجود ليأخذ حدوده المرسومة له بدقّة وعناية.
الطريق المسدود أمام المشروع الغربي:
انّ المشروع الغربي الذي ساد وهيمن على مقدرات البشرية، وخصوصاً سكّان منطقة الشرق خلال القرون الأخيرة بدأ يأخذ حجمه الطبيعي بعد أن فشل في تقديم نفسه كنموذج شمولي وعالمي، أو كطريق حتمي ومثالي لابدّ لبقية البلدان والشعوب أن تأخذ بمساراته وقوانينه، لوجود عقبات اساسية باتت تقف أمامه ليصبح مشروعاً عالمياً مرغوباً فيه.
ذلك لأنّ أي مشروع يريد لنفسه الشمولية يجب أن يبرهن أنه بامكانه أن ينقل جوهره وقيـمه الـى غيره عبر الانسياب الطبيعي لقوانين عمله لتنتشر بكل حرية وقبول لدى الآخرين ليروا بأنفسهم أن المصلحة العقلية والمادية تكمن بسلوك هذا الطريق، وليس عبر استخدام الوسائل القسرية المختلفة في إقامة نظام تحكّمه وتثبيت اركان محتواه الى الآخرين.
وهكذا انتشرت حضارات وثقافات الأمم البشرية المختلفة وتوسعت انّما عبر القبول الطوعي وليس القسري لجميع المسائل المطروحة للآخرين.
أمّا المنظّرون للمشروع الغربي فقد اعتقدوا أن مشروعهم اذا ما فرض على الشعوب وتحت الحماية المناسبة للفرض فإنّ الآخرين سيدركون أهميته يوماً وبالتالي سيصبح بعد حين البديل لكلّ الثقافات والمشاريع الأخرى.
ففي المجال الاقتصادي فلا يخفى على أحد انّ المشروع الغربي المعاصر قد ارتبط بالمشروع الرأسمالي العالمي، وأنّ دعاة الفكر الاقتصادي الأوربي كانوا يرون أنه سينتشر اذا ما فرض على الشعوب قوانينه، ويعمّ البشرية كافة.
فالمركنتليون الذين آمنوا بالتجارة وتراكم الثروات كانوا يعتقدون أن الذهب هو عصب الحياة، وما قوّة الأمم الاّ بمقدار متراكماتها للذهب. أمّا كيف يمكن زيادة مدياتها واحتياطها للذهب فيجيب «بودان» بأنه يمكن ذلك من خلال تصدير المنتجات المصنعة وعبر كل الوسائل المتاحة الى البلدان الاخرى حتى لو اقتضى ذلك حرمان الشعوب من منتجاتها المحلية ومنافسة الأصدقاء وصدّهم عن تجاوز حدودهم المرسومة لهم! بينما يرى «كولبر» بأنه يجب زيادة الصناعات لتشجيع التصدير مع فرض حماية كاملة لعملية التصدير تعتمد مبدأ القوة والإقتدار كأساس في نشاطاتها حتّى ولو جرّ الحال الى شنّ الحرب مع الأصدقاء!! ([22]).
ورأى الفيزيوقراطي ممثلين بكيزني (1694 ـ 1774م) انّ هناك دورة اقتصادية طويلة المدى فيما لو تركت لحالها، أما لو تدخلت عوامل مساعدة تغطيها حماية خاصة في هذا المجال، فانّه يمكن أن تدور الدورة بزمن أقصر بكثير من الحالة الأولى، وانهم اعطوا للزراعة دوراً بارزاً وتشغيل الأيادي الرخيصة في مواقع العمل المختلفة([23]).
امّا بناة الرأسمالية الحقيقيون فانهم يرون ان الرأسمالية لابد أن تنتشر عبر الاسواق والتبادل التجاري وبأيّ ثمن كان ولو اقتضى شهر السيوف وتهديد الجيران!.
كتب آدم سميث عام 1776م في كتابه يقول بصدد ذلك: إنّ تراكم رؤوس الأموال وتقسيم العمل هو مصدر ثراء الأمم! وانّ بحث كل فرد وكل أمة عن مصالحها الخاصة سيحقق في ظروف المنافسة الحرة الإستخدام الكامل لشتى الطاقات، وإن اليد الخفية للأسواق ستوجد التوافق بين المصالح الخاصة والعامة، والتجارة الدولية ستنظمها بلاشك المنفعة([24]).
لكن لاشيء من ذلك تحقق، فحرية التجارة ومبدأ «دعه يعمل دعه يمرّ» الذي يمثل حرية انتقال العمل ورؤوس الأموال والتبادل الحرّ قد ضرب عرض الحائط، ولم تتضرر سوى الامم الشرقية، بينما أقامت الدول الغربية أعلى درجات أنظمة الحماية والإحتكار داخلياً وخارجياً، ولم تطبق الحرية الإقتصادية الاّ في اتجاه واحد هو حرّيتها هي، وفرض ماتريد هي، مقابل شتّى انواع القيود فيما يتعلّق بالآخرين.
لذلك فانّ الغرب بعد أن دمّر الحياة الإقتصادية المستقلّة لدى الامم الاخرى ـ وخاصة الأمة الإسلامية ـ حوّل هذه الأمم الى مجرد مصدر للمواد الاولية، وأسواق مستهلكة لمنتجاته، ومنبع سهل للحصول على العمّالة الرخيصة! فأغرقت هذه الدول في سلسلة من الديون، وانخرطت مجبرة في فلك الانظمة الغربية التي تمتلك الوسائل النقدية والتبادلية والاستهلاكية لتصبح تابعة مغلوبة على أمرها، حالها كحال المماليك.
وهذا لم يكن ليحدث لولا غياب الوحدة بين البلدان التي شملتها خارطة المشروع الغربي البغيض.
سلاح النفط واستراتيجية الغرب تجاهه:
لناخذ مثلاً البلدان المنتجة للنفط والتي حباها الله تعالى بامتلاك ثروة باتت حاجة استراتيجية عالمية تؤهّلها للانتقال من حالة الاقتصاد المتخلف الى المتقدّم.
فقد وعت البلدان المنتجة حقيقة هذا السلاح ودوره في الاقتصاد العالمي، فاندفعت باتجاه الإستفادة منه الى أقصى حدّ ممكن، فخطت الخطوة الأولى بأن استطاعت تأسيس منظمة هدفها توحيد وجهات النظر بين الاعضاء، والدفاع عن حقوقهم المشروعة في هذا المضمار، وهي منظمة «أوبك».
وفعلاً وفي ظروف تاريخية خاصة استطاعت الدول المنتجة للنفط من أن تطرح نفطها بأسعار أعلى بكثير من الأسعار السابقة، فتدفقت الاموال والسيولة النقدية عليها مما أثر في تشكيل دورة اقتصادية جديدة أنعشت عدداً كبيراً من الاقتصاديات المحيطة بها، وبالخصوص مشاكلها المادية وديونها المسترسلة، اضافة الى تحقيقها لبعض الفوائد الأخرى مباشرة وغير مباشرة.
لكن ما أن مرّت سنوات قليلة، واستوعب الغرب ما سمّي بالصدمة النفطية حتى وضعت السياسات المضادة لعلاج هذا التطوّر الجديد! فاستخدمت كافة الوسائل الإقتصادية والسياسية وحتّى العسكرية، ليس فقط لامتصاص هذه الثروات من خزانات الدول المنتجة للنفط فحسب، بل لممارسة الضغط على الأسعار من خلال التشجيع على إغراق الأسواق.
وخلال فترة قصيرة أتت هذه السياسات المضادّة اكلها، فدفعت الأسعار باتجاه الهبوط المتسارع لينخفض اكثر من مرة أو مرتين عن السعر الذي كان عليه من قبل.
وجدير ذكره أن هذا الانخفاض الذى طرأ على أسعار النفط عالمياً لم يقابله انخفاض في أسعاره في الاسواق الغربية المحلية، بل ان أسعاره استمرت بالارتفاع، وزادت بمرّتين عن أسعاره من قبل.
وهذه الزيادة لا يحصل عليها المنتجون بل تحصل عليها الدوائر والدول التي تسمح لها شبكاتها ومصافيها بالاستيلاء على النفط، وهي قد باتت تشكّل مصدراً مهماً من مصادر الدخل التي تحصل عليه الحكومات الغربية عن طريق فرض الضرائب المتعدّدة.
والغرب الذي يمتلك الف سلعة وسلعة تقابل النفط ـ منها سلعاً كثيرة لا تنتجها أرضه بل يحصل عليها من «فقراء» ليبيعها على «فقراء» آخرين من عالمنا هذا ضمن سياسة ذكية تقوم على أساس السرقة والاحتكار ـ يستطيع أن يحافظ على أسعار هذه السلع مرتفعة بطرق ترتكز على وسائل اقتصادية خاصة تأخذ من الاحتكار وسياسة امتصاص جهود وفوائض الآخرين بشكل يضفي عليها صفة القانونية والشرعية ليمنحها بُعداً شمولياً تختفي وراء ستار من المفاهيم والمنطلقات العامة أساساً لها.
ومنه يتّضح السبب الحقيقي وراء تقدّم الغرب على هذا الصعيد، وتأخّر المسلمين.
ولكي لا نغرق بلغة الأرقام المعروفة لنطرح بعض الأسئلة، ومنه تتضّح الرؤية بشكل جيد لا غبار عليه فنقول: ماذا يحصل لو استمرت أسعار النفط على مستوياتها في اوائل السبعينات وهكذا في أواخر القرن الماضي؟؟
ثم ماذا لو ارتفعت لتبلغ (50) دولاراً مثلاً للبرميل الواحد، وهو السعر الذي قد يوازي أسعار الطاقات الاخرى؟؟
ثم ماذا كان سيحصل لو استثمرت هذه الأموال العائدة في مجالات التنمية والاعمار، ولم تذهب لتجمّد في خزانات الدول الغربية الأجنبية أو في مصارفها وبنوكها العامة؟؟
إنّ ما حصل في موضوع النفط حصل أيضا مع كل السلع الأخرى، لكن فيما يخصّ النفط فانّه قد أطلق من الاعلام مالم تطلقه سلعة أخرى، وإن انهيار هذا الحلم لم يفتح عيون الكثيرين فحسب، بل حطّم أوهاماً دغدغت مشاعر الآخرين الكثيرين أيضاً.
فالنظام الاقتصادي الغربي الذي يدّعي «الدولية» ليس دولياً، بمعنى انّ أمام الأمم والشعوب جميعاً فرص للتمتع بالقوانين التي يدّعيها وهي حرية التجارة والمنافسة الحرة والربح والاستثمار، بل انه يكتسب صفة «الدولية» من كون العالم والدول كلها قد ربطت بـ«متروبولات» أو مراكز هي الدول الإستعمارية ذاتها لكن بعناوين متنوعة وبراقة.
وخلاصة الكلام: انّ المشروع الغربي الذي انطلق تحت واجهة الدعوات الإنسانية والشمولية برهن على أنّه مشروع مغلق، لا يمر عبره طريق نهضة الشعوب وتطوّر الامم، لأنّه مشروع قائم على اساس منحطّ ومغشوش وهو تدمير دورات وعوامل الوحدة والتكامل بين المسلمين خصوصاً والشرقيين عموماً وتعزيز التجزئة والتفكك فيما بينهم ليسهل افتراسهم وفق الخطّة التي وضعها المنظّرون الغربيّون بالتعاون مع أصحاب القرارات السياسية العليا.
وأمّا المشروع الحقيقي المقابل المطروح أمام المسلمين والشرقيّين عموماً هو العودة الى تلك العوامل التي اتخذها السلف أساساً لبناء الحضارة التي أدهشت الغرب وأنصاره، فنفعّلها من خلال:
* رفع الضغوط الخارجية الأجنبية باتخاذ سياسة اقتصادية موحّدة ومدروسة.
* ازالة عوامل الكبح التي بنتها عهود التخلّف من خلال اختيار البديل والأصيل.
* الضغط بشدة على مجمل العوامل الإيجابية الموجودة وصبّها في مصبّ يدعم النهضة.
* تهيئة منظومة دفاعية إسلامية حيّة وجديدة تقوم على أساس الثقافة والعقيدة الإسلاميتين.
* تأمين الكادر المؤمن ليقوم بممارسة جميع مهامه بكفاءة لائقة.
* تعزيز الوحدة والتكامل بين دول المنطقة.
الشرق يستعيد دوره الوحدوي ـ التكاملي:
لا يخفى على كل متتبع ومراقب لمسيرة الأحداث الجارية في السياسة الإقتصادية العالمية وخاصة ما حدث في نهايات القرن العشرين حقيقة أنّ الشرق بدأ يستعيد دوره التكاملي، ويسير باتجاه بعيد عن واقع التجزئة والتفكّك، بل إن أدنى قراءة بسيطة لخارطة النشاطات الإقتصادية التابعة للشرق عموماً تثير الدهشة والحساسية بنفس الوقت عند المراقبين الغربيّين وذوي العلاقة بالقرارات التابعة للمشروع الغربي البغيض.
صحيح انّ اليابان تنتمي اليوم الى مجموعة السبعة الكبار. وكذا الصين التي باتت تتمتّع بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة وحلفائها على الصعيد التجاري وغيره.
وصحيح أنّ أهم اشكالات المؤتمرات الإقتصادية التي عقدت في المنطقة العربية والإسلامية هي تلك التي سعت لإدخال «اسرائيل» كشريك اقتصادي عبر مؤتمر الرباط والقاهرة والمؤتمر الذي قاطعته معظم الدول العربية في الدوحة.
وصحيح أيضاً أن كل المحاولات التي بذلت لحدّ الآن لإقامة تنظيم اقليمي اقتصادي فعاّل يضمّ ايران وتركيا وباكستان والجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي بعد تفككه وانهياره لم تتقدم كثيراً أو تثمر عن شيء يذكر على هذا الصعيد.
وصحيح كذلك إن الاجتماع الثماني الذي رعاه رئيس الوزراء التركي السابق «أربكان» الذي سعى لأن يتجاوز الكثير من التعقيدات، ويحقق أولى خطوات التمثيل الإسلامي بحضور الدول ذات الوزن «الثقيل» على الصعيد الاقتصادي والديموغرافي، قد كان من عوامل «إسقاط» أربكان وسحبه جانباً بالقوة من قبل العسكرتارية المتسلطة في هذا البلد وإعلان فشل محاولاته رسمياً.
وانّ من الصحيح أيضا أن الولايات المتحدة تحاول أن تضع اتفاقية التعاون الاقتصادي في آسيا ـ البلسفيك «ابيك» مقابل منظمة المؤتمر الاقتصادي لبلدان شرق آسيا، وتمارس الضغوط على البلدان الإسلامية والآسيوية ودفع نشاطاتها في هذا الصعيد الى عنق الزجاجة، وزرع الفتنة والمشاكل وتفجير أوضاعها من الداخل لايجاد حالة عدم الأمن والاستقرار فيها، كما تشهد اليوم اندونيسيا وماليزيا من أعمال إرهابية تستهدف التجزئة والتفكّك لغرض مواجهة الولايات المتحدة وحليفاتها للتطورات التي تزعجها والتي تشهدها هذه المنطقة من آسيا بالخصوص.
كل هذه الامور صحيحة، وتعطي الانطباع بأن الطريق أمام عودة الشرق الى نهضته مايزال شاقاً وصعباً ليستعيد عافيته أولاً ثم دوره التاريخي المتوازن بين واقعه مع إمكانياته وطاقاته البشرية والمادّية التي بناها عبر عصور طويلة.
لكن الصحيح أيضاً إن الشرق قد خطا الخطوة الأولى بهذا الاتجاه بعدما عبر حاجز الخوف واللاتوازن، وبدأت اطراف منه تشكل شيئاً فشيئاً ندّاً حقيقياً للغرب وهمينته وجبروته.
اليابان والإتجاه الجديد:
تعتبر اليابان من أولى البلدان الآسيوية التي شقت طريقها لكسر الهيمنة الغربية، وهو البلد الذي شارك آسيا والشرق في كل تاريخه. فقد خرجت اليابان مهزومة مدمّرة بعد الحرب العالمية الثانية ثم لم تبلث أن أصبحت ـ رغم صغر مساحتها ـ من أقدر دول العالم اقتصادياً، وتقف اليوم بالمقابل على حافة الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، فاتخذت بسبب ذلك سياسة تحمل في طياتها عملية موازنة الضغط الاميركي من خلال الاتجاه الى الدول الآسيوية الاخرى ككوريا وتايلند وسنغافورة وماليزيا واندونيسيا وبشكل محدود مع ايران والدول العربية.
هذه السياسة أفرزت نتائج على درجة كبيرة من الخطورة، ستكون لها ـ بالتاكيد ـ دوراً بارزاً في تجاوز السلبيات المتمثلة بخضوع اليابان السياسي والاقتصادي للسياسة الاميركية.
يقول الخبير الاقتصادي «شنتاروا ايشيهارا»: نستطيع الآن أن نبدأ بوعينا الذاتي، وبموجب معاهدة الأمن اليابانية ـ الاميركية فإنّ قوات الدفاع اليابانية اصبحت كتيبة تخضع لأوامر البنتاغون لكن اليابان ليست بالولاية الحادية والخمسين، اليابانيون آسيويون، وينتمون الى هذه المنطقة بالدم والتراث، واليابان بلد آسيوي، وبمعرفتهم بالشرق فانّ العديد من اليابانيين يشعرون بحيوية هذه المنطقة، إن مصالحنا هي في آسيا اكثر منها في أميركا.
ثم يقول: لننظر الى صادرات اليابان التي ارتفعت عام 1993م الى رقم قياسي بلغ (360) مليار دولار، صادراتها الى رابطة دول جنوب شرق آسيا وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والصين شكلت 36% من مجموع صادراتها، والشحن ضمن آسيا زاد عن الشحن الى اميركا 29% والى الاتحاد الأوربي 15%. واليابان تستورد من آسيا أيضاً، ففي عام 1992م كان اكثر من 30% من واردات اليابان من هذه المنطقة، لقد عادت اليابان الى حضن آسيا، وقام جيراننا بتشجيع طوكيو بالتدريج على لعب أكثر فاعلية سياسياً واقتصادياً.
ويضيف قائلاً: في عام 1993م هبط اجمالي الاستثمار الأجنبي في اليابان بنسبة25% عن العام الذي سبقه، حيث بلغ (80/3) مليار من الدولارات، أمّا الاستثمار الاوربي والاستثمار الاميركي فقد هبطا بنسبة39% و24% على التوالي بينما استثمرت الشركات الآسيوية (460) مليون دولار في اليابان، أي 4/4 أضعاف السنة السابقة.
ويقول أيضاً: إنّ الركود الاقتصادي الذي طال وقته خفض الاستثمارات اليابانية المباشرة في الخارج منذ عام 1990م. ففي عام 1992 مثلاً كان مجموع الاستثمارات(1/34) مليار دولار، أي أقل بنسبة18% عن السنة التي سبقتها، ولكن الاستثمار في آسيا زاد حيث بلغ (4/6) مليار دولار. وفي عام 1989م بلغ استثمار اليابان المباشر في أميركا حدّه الأقصى حيث بلغ (9/33) مليار دولار، ولكنّه انخفض الى نصف هذا المبلغ في عام 1992م، وهذا ما يوضّح الاتجاه الجديد([25]).
الصين والنمو الاقتصادي:
وكذلك الأمر مع الصين التي تعتبر معدلات النمو الاقتصادي فيها اليوم الأعلى في العالم، حيث حقّقت معدلات نمو بلغت 3/8% سنوياً للفترة 75 ـ 1985م، و1/10% سنوياً للفترة بين 86 ـ 1998م وحقّقت معدل نمو سنوي مقداره 8/8% في عام 1997م مقابل 8/2% و4/2% و8/3% للفترات نفسها بالنسبة للولايات المتحدة.
كتب الدكتور إسماعيل صبري يقول: انّ نصيب الولايات المتحدة في الناتج الوطني الإجمالي لدول العالم مجتمعة مازال يمثل 83/20% حسب أرقام 1996م، لكن الاكيد أيضاً ان نصيب الصين قد أصبح 34/11% للعام ذاته، أي ما يعادل تقريباً نصيب بريطانيا وفرنسا والمانيا مشتركة، ولن تمرّ أعوام قليلة حتى تتقدم الصين على الولايات المتحدة، حيث بلغ معدل الاستثمارات السنوية من الناتج الوطني للأعوام 94 ـ 1996م في الصين 7/35% سنوياً، في حين أنّه لم يتجاوز نصف هذا المعدل بالنسبة الى الولايات المتحدة للفترة ذاتها6/16%([26]).
آسيا وميزان التجارة الدولية:
ففي قراءة سريعة للاحصائيات الصادرة عن الامم المتحدة تتّضح انّ التبادل التجاري فيما بين البلدان الآسيوية يزداد باستمرار لمصلحة هذه البلدان على حساب تراجع بطيء ، ولكنّه ثابت في معدلاتها مع الولايات المتحدة وأوربا، وكذلك الأمر بالنسبة الى الاستثمارات المتبادلة.
فقد أشارت إحصائيات الأمم المتحدة عن التجارة الدولية: انّ حصّة آسيا ـ بدون اليابان طبعاً ـ في التجارة الدولية قد ارتفعت من (373) مليار دولار عام 1980م الى (2092) مليار دولار في عام 1997م أي من حصّة مقدارها حوالي 5/18% لمجموع عالمي مقداره (2001) مليار دولار حصة مقدارها اكثر من 38% لمجموع مقداره (5423) مليار دولار. فاذا أضيفت اليابان التي ساهمت بـ(421) مليار دولار عام 1997م، فانّ حصّة آسيا في التجارة الدولية ستكون قد سبقت للمرة الأولى مجموع الدول الغربية([27]).
بالمقابل ارتفعت التجارة بين الدول الآسيوية من 46% عام 1980م لتبلغ اكثر من 54% في عام 1997م، وانخفضت معدلات التجارة بين الدول الغربية وآسيا انطلاقاً من هذه الإحصائيات نفسها.
وهذا يدلّل بوضوح تام الاتجاه الجديد ـ الذي مازال محفوفاً بالكثير من السلبيات التي لعبت في ايجادها المصالح والارتباطات والتأثيرات الأميركية والغربية ـ الذي اتخذته آسيا في نهضتها الجديدة المعاصرة. وقد بشّر به كتّاب ومؤرّخون كبار أمثال: ارنولد توينبي في كتابه «المدنية في قفص الإتهام»، وأندريه مارلو شبنغلر في كتابه المعروف «إنحسار الغرب»، وروبرت بين في كتابه «ثورة آسيا» وغيرهم.
بل ومن المراقبين الاقتصاديين من يعتقد انّ هذا التيار النهضوي المتمثل بإتجاهه الجديد سيعمّ الشرق عموماً، بما في ذلك العالم الإسلامي، وذلك لأنّ:
* القوانين التي تحركه هي قوانين اقليمية عالمية، وليست مجرّد مسائل داخلية.
* ظاهرة التفكّك والضعف الذين أصابا معظم الشركات الغربية بسبب ماتواجهه من منافسات حادّة، فلم تعد قادرة على الإستمرار في إستخدام أساليب ضغطها القديمة.
* حالة الصحوة التي أصابت العالم برمته، وخاصة المنطقة الإسلامية من ألاعيب الغرب وأساليبه الماكرة، والعودة الى المفاهيم والقيم الأصيلة بعد أن جربت كل ما زعمه الغرب من قيم مبتدعة ورأت فيه الفشل الذريع.
* وجود النظام القيمي والثقافي الإسلامي في المنطقة الذي يشكل أهم عثرة في طريق كل المشاريع الغربية.
* فشل النظام الغربي في مواجهة الأزمات الإقتصادية والسياسية والأخلاقية الحادّة التي تعصف به، ومافقد من جرائها الكثير من قدراته القديمة في الحفاظ على مستوى ضغطه على الأمم والشعوب.
* وجود العامل الديموغرافي أو البشري.
دور العامل الديموغرافي في تغيير الموازين العالمية:
طبقاً للاحصائيات الرسمية المعلنة في سنة 1998م فانّ عدد سكان العالم قد بلغ (930/5) مليار نسمة بعد أن كان عددهم (702/3) مليار نسمة في عام 1970، وسيبلغ بمقتضى هذه الإحصائية (039/8) مليار نسمة عام 2025م اذا ما استمرت معدلات النمو بنسبها الحالية.
وبعد أن كان ثلثا هذا العدد يسكن افريقيا وآسيا في عام 1970 ارتفعت النسبة الى 6/73% وستقفز هذه النسبة لتبلغ 6/77% عام 2025م([28]).
وأمّا معدلات التكاثر فتشير إنها الأكثر ارتفعاً في آسيا وافريقيا4/1 و6/2 على التوالي، بينما هي اصبحت سلبية أو ثابتة في اوربا. كما تشير الأرقام إن القارتين هما قارتا الشباب والمستقبل، في حين أنّ القارة الأوربية قد أصبحت قارة هرمة لا تستطيع أن تجدد نفسها إلاّ بقوى الأمم الاخرى.
فنسبة الصبيان دون الخمسة عشر عاماً في آسيا 30% من السكان، أما في افريقيا فالنسبة ترتفع الى 43% مقابل حوالي 15% في اوربا والغرب عموماً. وبالمقابل فانّ الذين هم فوق سن الـ(65) عاماً هي 2/3% من مجموع سكان افريقيا، وترتفع النسبة في آسيا قليلاً الى 5/8% وهي حوالي 15% من سكان القارة العجوز أوربا.
عدد السكان عام 1998مالمعدل المتوسط لتكاثر السكان 1995 ـ 2000اقل من 15 عاماًاكثر من 65 عاماً
العالم8/59294/13/18 2/14
افريقيا5/77 6/2430 2/3
آسيا9/35884/11/30 8/5
اوربا4/729صفر 5/156/14
والعامل الديموغرافي هذا قد أصبح عاملاً حاسماً أخذ يلعب دوراً كبيراً في تغيير موازين القوى العالمية رغم كل المحاولات المبذولة باتجاه التضييق عليه وعرقلته عن لعب دوره هذا.
ذلك لأنّ مسألة السكّان تتعلّق مباشرة بمسألة العمل والأجور وكلفة البضائع ومن ثم بالإنتاج والمنافسة.
اذن انّ قانون الثراء والأجور والرفاه قد كان احد مقومات قانون التبادل اللامتكافىء الذي يسمح لأوربا بأن تبرز على صعيد التجارة الخارجية فتبيع سلعها في الأسواق العالمية بأسعار أعلى بكثير من قيمها الحقيقية، وتشتري من البلدان الأخرى بسبب انخفاض الأجور بضائع وسلعاً وخدمات بأسعار لا تعوض الجهد المبذول فيها.
هذا القانون شكّل احدى الآليات الركيزة لانتقال القيم والثروات والأرباح والفوائد من الشرق الى الغرب، بل وزاد من ثراء الغرب وافقار الشرق بما فيه العالم الإسلامي.
لكن هذا القانون هو نفسه بات أحد مصادر انحباس خطّ التطوير الغربي، والعقبة غير المرغوب فيها بطريق الاستثمار المطلوب. فالمشروع الغربي استند أولاً الى الطريقة المباشرة في استعمار الأراضي التابعة للأمم الاخرى، وامتصاص ثرواتها، واستغلال الأيدي العاملة في تشغيل مصانعه ومكائنه عن طريق السخرة والعبودية، لكنه اضطر لاحقاً بسبب بروز حالات المقاومة الوطنية التي تبديها الشعوب والأمم تجاهه الى:
* «استيراد» العمّالة الى بلدانه عبر العبيد كما تشير عمليات «اصطياد» الأفارقة.
* استعمال العمال المهاجرين الذين شكلوا مصدراً رخيصاً يسمح لهم باستثمار الطاقات الشابة بأجور زهيدة للغاية، وماتقوم به هذه الأيدي من الأعمال المرهقة والشاقّة.
فاستخدام العمالة الاجنبية في المصانع الغربية المتعدّدة الجنسية أصبح عنصراً رئيسياً وبارزاً للمنافسة والاستباق مع الآخرين.
بيد انّ هذه العملية التي جرّب الغرب حظّه فيها قد حملت من الآثار الإجتماعية والثقافية والسياسية التي أفرزتها الشيء الكثير. فقد بنى هذا الواقع السكّاني الجديد لنفسه مواقع صلبة في بنى الإقتصاديات والإجتماعيات ممّا صار يشكل خطورة بالنسبة للغرب بكونه عنصر «عرقلة» بينما بالنسبة الى الشرق عنصر استثمار وحيوية يتمثل بـ:
* السيولة النقدية من العملات الصعبة.
* تطوير المجالات المتعلّقة بالخبرات الفنية والتكنولوجية الحديثة.
* استيعاب كامل العملية الانتاجية وشروطها التقنية بما تمتلك من الخبرات والإمكانيات.
* زيادة الوعي السياسي من خلال الإنفتاح على التجارب الغربية.
* توفّر كوادر فنية متخصّصة.
* تأسيس مراكز تعليمية واجتماعية ودينية لرعاية مصالح المهاجرين في الدول الغربية، ممّا يعني نقل التراث والقيم الشرقية في الوسط الغربي، وهو إحدى المساحات الممتدة لغرض التبليغ الإسلامي.
فالعمل الديموغرافي يشكّل بمجموعه احدى العوامل الباعثة على «الخروقات» الخطرة التي باتت تقلق الغرب ومراكزه السياسية فضلاً عن الإقتصادية. ولذا بدأ الغرب نشاطاته المضادة عبر تشكيل منظومة هدفها تحجيم هذا العمل من خلال سلب مواقعه واضعاف دوره كعامل مغيرّ للموازين الدولية باستخدام السياسات الضاغطة تارة، وبثّ «القيم» الجديدة عبر المنظمات الدولية الانسانية والثقافية والصحية المتستّرة تحت واجهات مختلفة وعناوين متنوّعة برّاقة لتغطية عملياته الحقيقية تارة أخرى.
ولعلّ آخر فعالياته المتجسدة في هذا المضمار اعتراضه الشديد المصحوب بالصخب على عمل الصبيان في الباكستان في الصناعات الحرفية، وعلى الخصوص تلك التي تنتج المشارط والأدوات الطبية المتينة الصنع وتوفّرها للمستشفيات البريطانية والاوروبية، وتعرّضه الى هجوم اعلامي عنيف تحت حجّة «اضطهاد الاولاد الصغار» وكون عملهم في شروط غير صحّية!.
في حين أن الحسابات الحقيقية التي كانت تقف وراء ممولي هذه البرامج والحملات تتعلّق بمنافستها للمصانع الغربية ومنتوجاتها، وما تلعبه هذه المنافسة من تضييع فرص ثمينة من الأرباح والفوائد لفارق الانتاج وجودته ونوعيته.
التنمية ـ الأزمة:
انّ المحاولات التي استهدفت تقويض التخلّف واحتواء واقع التجزئة في كثير من بقاع الشرق وخصوصاً العالم الإسلامي، لم تكن محاولات مستقّلة فضلاً عن أنّها لم تكن بالمستوى المطلوب لواقع المجتمعات الإسلامية، بل كل الذي حدث انّ التنمية التي خضع لها الواقع الاقتصادي في معظم دول المنطقة حدثت بطريقة الإستعارة للانموذج الغربي والتي أرادت هذه المحاولات تطويع المنطقة لجزء من أجزاء مركب حضاري تابع يستصحب معه قسراً خصائص الواقع الغربي.
وبمقتضى الخصوصية الغربية فانّ تجارب التنمية المطروحة في «الأسواق» هي نماذج متشبّهة وليست نماذج مستقلّة، وعندئذ سيضطر الواقع الإسلامي ـ بكونه الغالب في المنطقة ـ إمّا الى التخلّي عن خـصائصه ويلتحق بالواقع الغربي بجميع أبعاده، وإمّا ان تُعزل هذه التنمية عن مجمل هذا الواقع، وتبدأ بالتقهقهر الى الوراء فالإنتكاس، لتدرج ضمن ملفات الأزمات الساخنة.
التجربة البرازيلية:
فها هي تجربة البرازيل ليست ببعيدة، فقد سلكت هذا الطريق بهدف رفع مستواها الاقتصادي المتدهور واللحاق بركب الدول النامية، فوظّفت كل إمكاناتها ضمن منظومة إقتصادية تابعة للمنهج الغربي، فكانت النتيجة أن أصبحت التنمية وباءً هدّد مستقبل هذا البلد، بل كاد أن يهوي بالبلاد نحو الهاوية، لدرجة أنّ معظم الاقتصاديّين بدأوا يحذّرون مّما أسموه بالنموذج البرازيلي([29]).
فما حدث في البرازيل من «تنمية» لم يحقّق نتيجة تغييرية بقدر ماوقع العكس، فهي تنمية تابعة قامت على أساس التوسّع في الإقتراض، وما أن استقرت الأزمة حتّى بدا البناء وكأنّه على شفا جرف هاو.
يقول الدكتور إسماعيل صبري بصدد ذلك: فالبنوك المتعدّدة الجنسية قد أمسكت يدها عن الإقتراض والأسواق سدّت في وجه الصادرات الصناعية، ولم تتمكن البرازيل من تحقيق الفائض التجاري إلاّ بضغط شديد على الاستهلاك الداخلي، والبيع بأسعار منخفضة، وكأنّ البرازيل قد عادت الى عهد الإستعمار القديم...، الأمر الذي أفقدها قابلية الإستمرار في هذا الوضع لأنّها واجهت مطالب اجتماعية متعدّدة، كما انّ التزامها بتخفيض الواردات قد عطّل جزءاً من طاقتها الانتاجية، وبالفعل هبط معدل النمو فيها في السنوات الثلاث 81 ـ 1983م بنسبة اجمالية قدرها 9/11%([30]).
التجربة المصرية:
وأمّا على مستوى الواقع العربي ـ الإسلامي فتلك تجربة مصر التي كانت معدلاتها بطيئة للغاية بحيث لم تتجاوز معدلات نمو السكّان، فاعتمدت منظومتها الإقتصادية على المنهج الإستعماري لضمان عملية التنمية في البلاد، فكان أن اقتضت الخطة على الارتكاز على انتاج واحد وهو القطن الذي كان يمثل 85% من الصادرات، واهمال باقي المنتجات وخاصة القطاع الصناعي. فكانت النتيجة أن فائض الميزان التجاري يذهب الى الخارج لتسديد الديون وفوائد رؤوس الأموال الأجنبية في مصر([31]).
فالإستثمارات الخارجية تدخّلت بشكل واضح في عملية التنمية في مصر، فلعبت دوراً بارزاً في مسير التنمية عندما شجعّت قطاع الزراعة وفي حقل القطن فقط، فضغطت بهذه العملية بشدة على باقي الحقول والمجالات، فمنعت لأيّ عملية تشجيع صناعي، بل يمكن القول انّ التركيز الإستعماري على زراعة القطن فحسب ساهم بشكل مدروس في ضرب القطاعات الإقتصادية الأخرى.
التنمية المطلوبة:
إذن فبعد أن ثبت عملياً إستحالة اجراء تنمية تحمل بالضرورة قدراً من التشبّه، وفشلها على الصعيد العملي التطبيقي رغم كل الاجراءات المتّخذة في هذا المجال، فانّ تفكيراً موضوعياً باجراء عملية مستقّلة لابد أن يأخذ بنظر الإعتبار عاملين رئيسيين يمكن أن يلعبا دوراً ارتكازياً في جميع مراحل التنمية الإقتصادية المستقلّة:
الأول: الاستقلالية الذاتية التامة.
الثاني: عدم فصل عملية التنمية الإقتصادية عن التنمية الإجتماعية ذات الواقع الوحدوي والتكاملي.
إنّ التنمية المستقّة لا يمكن أن تنمو وتتحرّك في الأوساط الإقتصادية الاّ أن تستند الى عقيدة سياسية وثقافة مستقلّة، اضافة الى تمتّعها بإرادة متحرّرة خالصة.
فالنموذج الذي يتوافق مع الواقع الشرقي ـ الإسلامي هو النموذج المعبرّ عن ذاته أصدق تعبير بما هي ذات لها أفكارها وتاريخها وخصوصياتها الحضارية.
يقول الدكتور إسماعيل صبري في صدد ذلك: إنّ مفهوم التنمية الذاتية أوسع من الاقتصاد أولاً، وتعالج جميع أجزاء الواقع ثانياً، ولأنّ التنمية الذاتية مستقلّة وشاملة فهي مشروع حضاري يستوجب شروطاً كثيرة، وهي تعني بكل تأكيد التحرّر الاقتصادي والاجتماعي والحضاري. ولذلك فانّ دعائم التنمية المستقلّة تقام في مواجهة دائمة مع سيطرة الرأسمالية العالمية واستغلالها وليس بالتعاون معها ([32]).
والشرق إذ تحضر الأيديولوجية الإسلامية في عقيدة الناس، فانّ ماتذهب اليه هذه الآيديولوجية هو:
1 ـ تقويم سلوك الفرد على وفق معايير العدل والمساواة والتوادّ والتحابّ من خلال بثّ الوعي الثقافي ورفع المستوى العلمي للأفراد والجماعات.
2 ـ تحقيق التوازن في إشباع حاجات الإنسان الإقتصادية ومتطلباته الإجتماعية.
3 ـ تصعيد الخطّ البياني لعملية التنمية الإقتصادية من خلال تكريس جهود الأفراد والمجتمعات المتفرقة أو البلدان المتعدّدة وصبّها في مصبّ جماعي وحدوي يهدف الى حالة التكامل المبني على أساس التعاون من أجل التطور والرقي.
إذ انّ على الافراد أن يحسبوا بانّ الجهود الجماعية والفردية تؤدي الى الوفاء بالحاجات الاساسية، وعندما توجد حاجات غير مادّية الى جانب الحاجات المادّية فانّ الأفراد ـ عند توافر الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية بعيداً عن سبل الاضطهاد والقسر ـ سيندفعون من خلال وعيهم بمسؤوليتهم الشرعية في اطار جماعي واع باتجاه تعبئة إمكانيات الأمة لغرض تحقيق التنمية المطلوبة.
والإسلام حينما يطالب بتغليب الأجواء الوحدوية في إطار التكامل والتعاون لا يعني سحب تأكيده على أهمية النشاط الفردي وإبراز الجوانب العملية للانسان كفرد يعيش في مجتمع بشري. ذلك لأنّ الفرد انّما يشكل اللبنة الاساسية لبناء المجتمع الكبير، وما ينفعه فانّما ينفع المجتمع ككل، وبالعكس ما يضرّه فانّه يضرّ المجتمع برّمته.
لكن توجيه الإسلام العمل الاقتصادي بإطار جماعي وحدوي انّما لغرض التكامل في النشاطات لأجل قطف الثمار الأحسن والأفضل في جميع مراحل العمل الإنتاجي.
يقول تعالى في كتابه الكريم: (وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ([33]). فانّه يستشعر منها وجوب العمل الجماعي من خلال الخطاب الموجّه الى كل الأمة، وهو شامل عبر إطلاق اللفظ لكل الأعمال التي تصبّ في نهاية المطاف وفي خلاله أيضاً بإتجاه منفعة الأمة جميعاً.
4 ـ تكريس القيم والأخلاق في واقع المجتمع من خلال دحر وتحييد النوازع المضادة لإجراء التنمية الإقتصادية المطلوبة.
والمناهج الموضوعة التي انتحلها الغرب وبعض الدول الشرقية الإستعمارية تؤمن أيضاً بوجوب تكريس القيم الاخلاقية في المجتمع، بل منها من تدّعي انّ هدف التنمية الإقتصادية انّما هو لتثبيت الأسس الاخلاقية في المجتمع.
ولكن الفارق بين المنهجين ـ الإسلامي والأوربي الغربي ـ في الجانب الاقتصادي يتضح بشكل جلي في ضوء النقطة التي يشرع فيها كل منهج بالمعالجة.
فالنظرية المادّية التي يتبناها الغرب وأتباعه ترى انّ توفير الحدّ الأدنى من المتطلبات المادّية للإنسان هو الذي يقوّم السلوك الفردي، وعندئذ تؤسس الأخلاق والقيم الفاضلة في المجتمع. في حين أنّ المنهج الإسلامي يرى انّ إنسانية الإنسان لا تتحقّق بالتقدم الصناعي والنشاطات التصنيعية اللذين هما السبيلان الرئيسيان لاشباع حاجات الإنسان المادّية فحسب، وانّما يجب أن تكون هذه الانسانية سابقة لكل نشاط سياسي واجتماعي واقتصادي، ولذا يبدأ الإسلام بوضع ضوابط تعمل على تنظيم إشباع الحاجات بطريقة مهذّبة، وتوفر الدافع لدى الأفراد في طريق تحقيق المصلحة العامة، ومن ثم تصبح عملية إنخراط هؤلاء الأفراد في الواقع الاجتماعي فعّالة ومؤثرة باتجاه إيجابي صرف.
إنّ المنهج الإسلامي بعد أن يحقّق الدوافع الذاتية لدى الأفراد نحو التنمية فانّه يسعى لأن يتضمّن تفاصيل جميع الخطوط المطلوبة لإحداث التنمية المستقلّة. فبالنسبة الى التنشئة الإجتماعية منح من الإهتمام للأسرة من تنظيم وتهذيب وتعليم وثقافة وتديّن الشيء الكثير. وكذا ضمن الاستقلال الأمثل للطاقات الشابة والكوادر النشطة في جميع النشاطات في المجال الاجتماعي والصحي والثقافي والاقتصادي.
بل انّه يمتلك للبيئة والحفاظ عليها تصوّراً كاملاً عن طبيعة التعامل معها بشكل يخالف الموقف السائد في الغرب، فلم ينس حمايتها من عوامل التلوّث والأوبئة المنتشرة، وتكريس حالة الإنعاش للطبيعة التي فطرها الله تعالى.
وهكذا في المجالات الأخرى كالتوزيع والإنتاج والإستثمار والتداول والتسويق و.. و.. الخ.
الفهرس الموضوعي
* المقدّمة
* إيضاح أمرين
* السؤال ـ اللغز
* عاملان رئيسيان
* سؤالان
* نهضة جديدة ـ ظروف تاريخية جديدة
* الوحدة والتكامل وليس التجزئة والتصارع هو القانون المطلوب
* الوحدة والتكامل وتطور التجارة والأسواق
* اختراقات جديدة
* الطريق المسدود أمام المشروع الغربي
* سلاح النفط واستراتيجية الغرب تجاهه
* الشرق يستعيد دوره الوحدوي ـ التكاملي
* اليابان والإتجاه الجديد
*الصين والنمو الإقتصادي
* آسيا وميزان التجارة الدولية
* دور العامل الديموغرافي في تغيير الموازين العالمية
* التنمية ـ الأزمة
* التجربة البرازيلية
* التجربة المصرية
* التنمية المطلوبة
* الفهرس الموضوعي
الهامش:
([1]). تاريخ اوربا: 137.
([2]). حاضر العالم الإسلامي: 67.
([3]). نقلاً عن كتاب الإسلام والحضارة الغربية لمجتبى الموسوي اللاري: 153.
([4]). وهو رأي الرأسمالية. للتفصيل راجع كتاب «اقتصادنا» للشهيد محمد باقر الصدر ط2: 346.
([5]). وهو رأي الماركسية. راجع المصدر السابق: 347.
([6]). انظر بحث الاستاذ محي ناصر اللبّان الموسوم بـ«تبعية الفكر الاقتصادي العربي» المنشور في مجلة «الحوار» الفصلية العدد (12) لسنة 1989م: 71.
([7]). انظر بحث الاستاذ محي ناصر اللبّان الموسوم بـ«تبعية الفكر الاقتصادي العربي» المنشور في مجلة «الحوار» الفصلية العدد (12) لسنة 1989م: 71.
([8]). نقلاً عن دراسة للدكتور عادل عبد المهدي الموسومة بـ«النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي بين الممكن والمستحيل» نشرتها مجلة «التوحيد» العدد (102) لعام 2000م.
([9]). انظر المرجع السابق.
([10]). نقلاً عن «الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء» لادوارد سعيد: 106 ـ 107.
([11]). نقلاً عن «اضواء على المقدمات التأسيسية للتحديث في الوطن الإسلامي» لغريغوار مرشو، من مقال نشرته مجلة «منبر الحوار» اللبنانية العدد (10) لسنة 1998م.
([12]). المرجع السابق.
([13]). نقلاً عن «روائع إسلامية» لابراهيم النعمة: 54.
([14]). المرجع السابق: 69.
([15]). نقلاً عن كتاب «محاصرة وابادة: موقف الغرب من الإسلام»: 36.
([16]). «النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي» د. عادل عبد المهدي، مقال منشور في مجلة «التوحيد» العدد (102).
([17]). «في سبيل نظام قانوني موحّد للمشروع التجاري العام» د. علي البارودي: 102 ومابعده ط. مصر.
([18]). نقلاً عن «التحكيم في منازعات تنفيذ الخطة الإقتصادية العامة» لشعيب احمد سليمان: 39 ط. العراق.
([19]). «التراث ومستقبل التنمية» لعادل حسين، مقال منشور في مجلة «الحوار» العدد(1) لسنة 1986م.
([20]). المرجع السابق.
([21]). المقدمة التي كتبها عمر عبيد حسنة لكتاب «التنمية الإقتصادية في المنهج الإسلامي» لعبد الحق الشكيري: 10 ط، قطر.
([22]). «تبعية الفكر الاقتصادي العربي» لمحي الدين اللبان، مقال نشرته مجلة «الحوار» العدد (12) لسنة 1989م.
([23]). «دور الدولة في النشاط الاقتصادي في الوطن العربي: قضايا عامة» مقال لابراهيم سعد الدين منشور في مجلة المستقبل العربي العدد (127) لعام 1989م.
([24]). «بحث عن طبيعة وأسباب ثروة الأمم» لآدم سميث، نقلاً عن مقال الاستاذ اللبان الموسوم بـ«تبعية الفكر الاقتصادي العربي» المنشور في مجلة «الحوار».
([25]). «صوت آسيا» لمهاتير محمد وشنتاروا ايشيهارا: 34 ـ 39 ط، دار الساقي.
([26]). «التنمية المستقلّة: محاولة لتحديد مفهوم مجهل» مقال منشور في مجلة «المستقبل العربي» العدد (209) لعام 1997م: 57.
([27]). نقلاً عن المقال المنشور للدكتور عادل عبد المهدي في مجلة التوحيد العدد (102) الموسوم بـ«النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي بين الممكن والمستحيل».
([28]). المرجع السابق.
([29]). راجع «النموذج البرازيلي، دراسة في قضايا التنمية والتحرر الاقتصادي والعلاقات الدولية» د. اسماعيل صبري عبد الله: 66 ط، القاهرة.
([30]). المرجع السابق: 60 ـ 62.
([31]). المرجع السابق نفسه: 63.
([32]). «التنمية المسقلّة: محاولة لتحديد مفهوم مجهل» من مقال منشور في مجلة «المستقبل العربي» العدد (90).
([33]). التوبة: 105.